القيروان:التغيّرات المناخية تهدّد الأمن الغذائي
بأياد شاحبة يلتمس أغصان الزيتون اليابسة وتقطعها أشلاء صغيرة لتتساقط فوق الأرض القاحلة تحت الشجرة الصامدة.
وبعينيه الذابلتين يحدّق الفلاّح" علي يحي" في أشجار الزيتون المتهالكة التي تيبّست من وطأة و شدّة العطش وبقيت صامدة رغم قسوة المناخ وهول الجفاف الذي عم المنطقة.
ويتذكر علي كيف كانت هذه الشجرة قبل بضع سنوات تغدق عليه أكياسا وفيرة من حبّات الزيتون ويتحسّر على حالها اليوم بعد أن فقدت ثمارها تماما وجفّت أوراقها لكنّها ظلّت متماسكة بين أغصانها الذابلة وجذورها تترقّب من يرويها.
ليس علي وحده من يعاني داخل ضيعته بل كامل فلاّحي منطقة" القفي" التابعة لمعتمدية السبيخة من ولاية القيروان وذلك جرّاء الجفاف الذي اكتسح كامل المنطقة بسبب نقص التساقطات وشح مياه سد " نبهانة" الذي كانت تتزود كامل الجهة من مياهه العذبة.
لا تزال أشجار الزياتين تقاوم العطش فيما أتلفت أشجار المشمش والرمان والتين واللوز وأجبر الفلاّحون على تقليعها خاصة وأن منطقة القفي توجد على سفح جبل فضلون وكانت تمتاز بعدة منتوجات فلاحية وغراسات شاسعة.
فالتغيرات المناخية التي أضحت عليها السنوات الأخيرة كانت سببا في نزوح عدد من الفلاحين نحو الولايات الساحلية تاركين أراضيهم الخصبة،وأقدم البعض الاخر على المشاركة في الهجرة غير النظامية رغم أنها محفوفة بالمخاطر بينما خيّر آخرون الصمود و البقاء متشبثين بأرض أجدادهم رغم قساوة المناخ و تجاهل السلط لهم.
و يطالب فلاّحو منطقة "القفي" المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقيروان بضرورة التسريع في حفر بئر عميقة لسقي أراضيهم.
وللاشارة فإن المنطقة السقوية ب" القفي " التي تمسح 160هكتارا ينخرط حوالي 120فلاحا كانوا ينتفعون قبل سنوات، بمياه سد نبهانة لكن سرعان ما توقفت عملية تزويدهم بهذه المادة الحياتية جرّاء الجفاف وتراجع مخزون مياهه إلى أقل من أربعة مليون متر مكعب رغم أن طاقة استعابه تتجاوز ذلك بكثير والمقدرة ب 58 مليون متر مكعب.
ويوجد بولاية القيروان ثلاثة سدود كبرى وهي سد نبهانة وسد سيدي سعد وسد الهوارب و لم تتجاوز نسبة امتلائها 8 بالمائة نتيجة نقص التساقطات والجفاف وارتفاع نسبة التبخّر،حيث يعد سد الهوارب فارغا تماما فحي ين يعتبر المخزون الحالي لسد سيدي سعد هو الأدنى منذ تاريخ انشائه سنة 1982 حيث وصل إلى مستوى 21 مليون متر مكعب بينما تصل طاقة استعابه إلى 134 مليون متر مكعب مما اضطر إدارة السد إلى استغلال ولأول مرة المخزون الاستراتيجي لإنقاذ الموسم الزراعي.
لقد تسبّبت التغيّرات المناخية بالقيروان في زعزعة الأمن الغذائي الشيء الذي دفع الحكومات المتعاقبة على إتخاذ قرارات من أجل التكيّف مع الواقع المناخي على غرار مشروع جلب فائض مياه الشمال إلى ولاية القيروان للمحافظة وتغذية المائدة المائية التي استنزفت إلا أن هذا المشروع كغيره من المشاريع بقي معطّلا منذ أكثر من 7سنوات وظل الفلاّحون ينتظرون تفعيله مثلما ينتظر علي ورفاقه إحداث مشروع حفر بئر عميقة.
خليفة القاسمي